ربّما يكون ما يعكّر صفوَ حياتنا بشكل يوميّ هو افتراض أنّ الأصل في الأشياء وجودها. دعني أشرح لك ما أعنيه.
قد ننزل يومًا من البيت لنذهب إلى العمل وقبل أن نركب السيّارة، نجد أحد الإطارات مفرّغًا من الهواء ويحتاج إلى تبديل وصيانة. سيؤخّرنا هذا نصف ساعة على الأقلّ. ربّما يكون ردّ فعل الكثيرين منّا هو السبّ ولَعن اليوم والتشاؤم. لماذا؟ لأنّنا نسلّم بوجود السيّارة، وبأنّ عليها أن تكون دائمًا في حالةٍ ممتازة. لقد خالفَت حالتُها تلك توقّعاتِنا، فأصابنا ذلك بالإحباط.
ربّما نستيقظ يومًا من نومنا فنجد حلقَنا ملتهبًا قليلًا من تغيّر الجوّ والتعرَض لهواء جهاز التكييف البارد طوال الليل. فيم نفكّر؟ نسخطُ على المرض. نلعنُه. نسبُّه. نشكو لله: يا ربّ، لماذا تُمرضني؟! نفعل كلُّ ذلك لأنّنا نفترض أنَّ الصحّةَ هي الأصل. أنَّ غياب جزء منها أمرٌ غير طبيعيّ.
إذن، من وجهة نظرنا، الأصل هو امتلاك سيّارة لا بدّ لها أن تعمل جيّدًا طوال الوقت. الأصل هو الصحّة الجيّدة. نعتقد أن هذه الأشياء “حقّ لنا” نحاسبُ الله -سبحانه- عليه إذا غاب عنّا. وأساسُ هذا الاعتقاد هو إلفُ هذه النِعَم. اعتدنا عليها فتوهّمنا أحقّيتنا لها.
الطريقُ الآخر، الأصوب، هو أن نستشعر نعمةَ اللهِ علينا في تلك المواقف. إذا لم تسعفنا الظروف يومًا لنركب سيّارتنا الخاصّة، نستشعر قيمة كلّ يوم استطعنا أن نركبها فيه دون عناء. إذا غاب جزء من صحّتنا، نحمدُ الله على الصحّة الكاملة في بقيّة الأيام. إذا اشتدّت حرارةُ الجوّ يومًا، نشكر الله أنّ الطقس كان معتدلًا بالأمس، وأنه في الغد سيعود كذلك.
استشعارُ النِعَم في وقت الأزمات يولّد حالةً من الامتنان تُضفي البهجةَ والسعادة الحقيقية على تلك الأوقات، وعلى حياتك بشكل عام.