الإنصاتُ عملٌ كريم

أقول عملًا لأنّه يتطلّب جهدًا لا يستهان به. أن تسمع حقًّا، أن تنصت، أن تتدخّل فقط حين يكون تدخّلك مفيدًا، أن تنظر في عيني مَن يكلّمك بإخلاص، وأن تومئ برأسك أنّك تفهم ما تسمع، وأن تسمع لتفهم، وأن تسمع وتفهم وتبحث عمّا يضيف قيمةً إلى محدّثك، لا عمّا يضيف غرورًا لغرورك، أو نشوةً لعقلك الذي يتلذّد بتحطيم حُجّة محدّثك.

الإنصات يتطلّب جهدًا لا يستهان به لأنّ من السّهل أن تسمع لتحكم، ومن السّهل التظاهر بالسّماع مع إيماء الرأس والهمهمة بين الجملة والجملة، ومن السّهل محاكاة وضعيّة محدّثك لإيهامه باهتمامك، ومن السّهل أن يسرح خيالُك بعيدًا، ومن السّهل أن تُضيف إلى الكلام ما ليس فيه، ومن السّهل أن تفهم منه غير المقصود منه. ولتجنّب كلّ هذه الأمور السّهلة، عليك بذل الجهد.

وأقول كريمًا لأنّه هديّةٌ تقدّمها لمحدّثك. تكاد تحتلّ المرتبةُ الأولى بين الهدايا التي يمكن أن تقدّمها لشخص أيًا كانت علاقتك به. أن يشعر محدّثك أنّك تراه، وتسمعه، وتفهمه، دون إصدار الأحكام، ودون محاولة إحراجه أمام نفسه. أن يشعر أنّك تراه وتسمعه وأنّه، لكي يحصل على ذلك، لا يحتاج أن يتنازل عن كرامته، واحترامه لفكرِه. أن يشعر أنّه، بالحديث معك، يزداد لا ينقص. الإنصات كرَمٌ لأنّه دليل على حبّك لمحدّثك، وتقديرك له.

أضمنُ لك أنّه ما من أحد على هذا الكوكب إلّا وأقصى آماله أن يجد مَن. يُنصت إليه بحقّ، حين يحتاج إلى أن يتكلّم. فإذا وجدتَ مَن تحبّ يتكلّم، أنصِت.

الإنصاتُ عمل كريم، وربّما لا تستطيع القيام بهذا العمل طول الوقت. لكنّك، ولا شكّ، تستطيع القيام به بعضَ الوقت. فتحيّن تلك الأوقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *