في عصرنا، الكلّ يتحدّثُ عن الشغف.
تتكرر على مسامعنا كلّ يوم مقولات مثل: اتبع شغفك. ابحث عن شغفك. افعل ما أنت شغوف به.
ويظهر علينا في الشاشات أناس نعتبرهم ناجحين ومؤثرين في العالَم فيكرّرون نفس الكلام قائلين: سبب نجاحنا هو أننا اتبعنا ما نحبّ، اتبعنا شغفنا.
يسمع الناشئون منّا هذا الكلام فلا يدور في أذهانهم سوى سؤال واحد: ما هو شغفي؟!
يصيبهم حماس شديد للبحث عن هذا الشغف، وحَيرة لا تقلّ شدّة. هل أحبّ فعلًا ما أقوم به؟ هل هو شغفي؟ هل أرغب في قضاء عمري في هذا المجال؟
المشكلة أنّنا نادرًا ما نكون قادرين على اتخاذ قرار مصيريّ كهذا بحيادية تامّة.
ربّما القرار الذي نفكّر فيه ناتجٌ عن كرهنا للمدرسة، ولا أحد يحبّ المدرسة! وربّما ناتج عن رغبتنا الطائشة في الاستقلال عن أهلنا في سنّ مبكّرة، والتخلّص ممّا يبدو لنا كتحكّمات في حرّيّتنا.
أريد أن أقول أنّه ربما يكون اختيارنا للشغف في مرحلةٍ ما هو هروب من واقع ننبذه لأيّ سبب، وليس حقًّا توجّه نحو شيء نحبّه. يكون قرارنا، في هذه الحالة، وخيم العواقب. نكتشفُ حقيقة الأمر بعد حين، ونتمنّى لو نعود. ولكن فات الأوان.
علينا التفتيش في أنفسنا كثيرًا قبل اتخاذ مثل هذا القرار. علينا التوثّق، قدر الإمكان، من سلامة نوايانا. علينا الاجتهاد في معرفة بواعث السلوك قبل الإقدام عليه.
البحث عن الشغَف عمليّةٌ مركّبة، وتدريجيّة، وبطيئة.