منذ شهور، كتبتُ عن مصادفةٍ عجيبة حدثت معي. أثناء انتظار دوري في البنك، جلس بجانبي رجلٌ تخطّى عمرُهُ الستّين. وكنت أقرأ كتابًا للعقّاد -كعادتي في محاولة استغلال أوقات الانتظار في التعلّم- لا أذكر اسمه الآن.
نظر الرّجل وسألني بشيءٍ من العَجَب: أتقرأ للعقّاد؟ أجبته: نعم. وكانت هذه بداية حوار لم يدُم أكثر من خمس دقائق. ولكن هذه الدقائق الخمس كانت سببًا في أحداث لا أظنّها خطرت على بال الرجل أثناء الحديث.
فقد نصحني بقراءة كتاب “الفتنة الكبرى” لطه حسين، كما نصحني ألّا أسمع لمن يتّهمونه بالكفر وما إلى ذلك من أقاويل، وأن أقرأ بنفسي.
لم أستهن بالأمر وعزمت على قراءته. ووجدته في مكتبةِ دار المعارف في منطقة وسط البلد بالصدفة أيضًا؛ حيث كنت أنتظر صديقًا لي فوجدت المكتبة هناك. ولم أدخلها مرّة أخرى منذ ذلك الحين!
ساعدني هذا الكتاب كثيرًا في تغيير فكرتي عن الدّين وعن المتديّنين وعن صحابة رسول الله. وكان كأنّه المفتاح الذي من خلاله عرفت أنّ هناك الكثير ممّا لا أعرفه حول هذه الأمور. وكان بداية رحلة قراءة متقطّعة في هذا المجال على مدار السنوات الثلاثة أو الأربعة الماضية، قرأتُ فيها عدّة كتب.
ولم يقف الأمرُ عندي، بل كنتُ أنا سببًا في التأثير فيمن حولي وشجعت الكثيرين على قراءته، ومن أكثر من تأثّر به أبي، وأصبح كلًّا منّا الآن يشجّع الآخر على البحث في هذا الموضوع، ونشتري الكتب معًا ونقرأها معًا ونتناقش حولها ويسمع كلّ من في البيت نقاشنا.
وما زالت الأحداث تتوالى ولا أظنّها تنتهي.
كلّ هذا، بسبب كلمة عابرة قالها لي رجل عابر، ربّما نسي أنّه قد قابلني أصلًا. وبسبب استعدادٍ كان عندي، ومجهود بذلته في اتّباع النّصيحة. ووجدتُ أنّ الأمر يستحقّ. وتغيّرت حياتي بسببه.
فتأمّل كم فرصة نضيّعها بتجاهلنا نصيحة عابرة، من شخص عابر، أو نصيحة متكرّرة، من شخص نحبّه ونقدّره!