لعبةُ الحياة (٢)

في يوم افتتاح الموسم الجديد لنشاط طُلّابيّ في الجامعة كنتُ أرأسُهُ وقتها، وزّع الفريق المنظّم للّقاء على الحاضرين بالونًا ودبّوسًا لكلّ واحد منهم. قلتُ لهم: سنلعب لُعبة. مَن احتفظ منكم بالبالون حتّى نهاية الدّقائق الثلاث المحدّدة للّعبة، يفُز. وبدأ العدّ التنازليّ.

ماذا تتوقّع أن يحدث في مثل هذه الظروف؟ ماذا كنتَ لتفعل أنت؟

ما إن بدأ العدّ التنازليّ حتّى بدأ كلّ من معه دبّوس أن يحاول ثقب بالون صاحبه. وسرعان ما تحوّل كلّ واحد إلى صيّاد أو فريسة. وما إن يفقد أحدهم بالونه حتّى يجتمع بآخر قد فقد بالونه ويشكّلان عصابة يحاولون ثقب بالون زميلهم المحظوظ، الذي لم يصل إليه أحد بعد.

أمسكت بالونتي ووقفتُ بعيدًا مُحاولًا أن ينشغل النّاس عنّي ببعضهم البعض. وقد نجحتُ فعلًا حتّى لم يبقَ منهم سوى القليل. تجمّع حولي عدد منهم ونجحوا في ثقب البالون الذي أحمله. ما مرّت دقيقتان إلّا وكنّا نقف جميعًا ممسكين فقط بالدبابيس. لم يبقَ بالون واحد. خسر الجميع.

ربّما تكون قد انتبهت الآن للحلّ البديل. ما الذي كان ليحدث لو أنّنا وقفنا جميعًا ولم يتحرّك منّا أحد؟ ماذا كان ليحدث لو اهتمّ كلٌّ واحد ببالونه هو؟ بالحفاظ على ما معه. بدلًا من أن يحاول تدمير ما لدى الآخرين. في تعليمات اللعبة، لم يكن هناك حدّ أقصى لعدد الفائزين. كان من الممكن أن نفوز جميعًا.

ولكنّنا نشأنا على أنّ “الآخر” يجب أن يخسر حتّى نفوز. لا بدّ أن “نتغدّى بيه قبل ما يتعشّى بينا”. هكذا تدرّبنا منذ الصغر. وهكذا نفكّر حتّى الآن. تجد أعراض هذه التربية في زميل العمل الذي يحاول تلفيق تهمة لك حتّى “تبتعد عن طريق طموحه”، وفي قريبك الذي يتمنّى لك الفشل والتّعاسة. وتجد أثر تلك التربية، للأسف، في نفسك؛ حين تفكّر أنّك قد خسرت لأنّ فلانًا قد سبقك، لأنّه هو أخذ مكانك.

في لعبة الحياة، لا ينبغي أن يخسر أحد حتّى تفوز. من الممكن أن نفوز جميعًا. لو ركّزنا على أنفسنا، وعلى ما نملك، وركّزنا انتباهنا على الحفاظ عليه. وإن اضطررنا، علينا أن نحمي ما لدينا بالقوّة. ولكن، في أغلب الأوقات، علينا فقط أن نحمي أنفسنا من أنفسنا، ومن أفكارنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *