لماذا نغيّر قراراتِنا بسهولة؟

قد نفكّر في شراء شيء معيّن، ونظلّ نفكّر فيه وما سنفعله به حين نشتريه، حتّى يحين موعدُ الشراء، فنشتري شيئًا آخر. لا أتكلّم هنا عن الأشياء البسيطة -مع أنّها يسري عليها نفس الكلام- لكن حتّى في الأشياء الكبيرة، كسيّارة مثلًا أو أثاث البيت. وقد نقرّر مثلًا أن نمنع أنفسنا من شيء ما، كبعض أنواع الطعام، أو الاستماع إلى الأغاني مثلًا، أو الأكل خارج المنزل، أو التدخين … إلخ، ثمّ نعود فنغيّر قرارنا ذلك. وقد يكون قرارًا مثل ترك العمل والانتقال إلى مسار مهني جديد، أو أن يبقى الوضع على ما هو عليه.

في النوع الثاني بالطبع هناك عامل لقوّة الإرادة والانضباط الذاتي، ولكن ما أقصده هو المسوّغ الذي يسمح لنا بعدم الانضباط. كيف نقنع أنفسنا بتغيير هذا القرار الهام، بعدما أقنعناها باتّخاذه؟ وإذا فهمنا تلك الكيفية، يمكننا استغلالها في تحسين قراراتِنا.

والإجابة أبسط مما تتخيّل: إنّها القصّة التي تدور في رأسك أثناء التفكير. حين قرّرت أن تتبع حمية غذائيّة نباتيّة مثلًا، فكّرتَ أنّها طريقة لتحسين صحّتك. وحين تراجعت عن ذلك القرار، ربّما فكّرتَ أنّ الاستمتاع بالطعام أكثر أهمّيّة من هذا الكلام “غير المنطقي”، وأنّ البروتين الحيواني مهمّ جدًا، وأنّك لا تستطيع الاستغناء عن الكالسيوم في الألبان.

اختلفت القصّة.

حين فكّرتَ في شراء سيّارة فارهة، كانت القصّة عن المكانة بين الأقران، وعن الحالة النفسية المُصاحبة لركوب السيّارة الفارهة. وحين تراجعت واشتريت سيّارة متواضعة نسبيًا، كانت القصّة عن الاستثمار الجيّد للمال، وعن تكاليف الصيانة والتشغيل الباهظة.

وحين تفكّر في ترك العمل والسعي في مسار جديد، تحتار بين الأمان، والمألوف، وبين المغامرة، والتشويق. تحتار بين المعروف والمجهول، بين الاطمئنان مع السكون، وبين الخوف مع النموّ.

هكذا تجد أنك تحتار بين شيئين بعيدَين، أو حتّى متناقضين. أنت لا تحتار بين هذين الشيئين في الحقيقة، أنت تحتار بين قصّتَين. وتحديدك لهذه القصّة، سيسهّل عليك أن تفهم سبب اختيارك هذا، وأن تختار القصّة التي تحبّ أن تعيشها حقًا، القصّة التي تشبهك أكثر، القصّة التي تسعدك أكثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *