ما سأحكيه لك الآن ليس استعراضًا لنجاحي،لأنّي أعتقد أنّ ما نجحت فيه حتّى الآن لا يستحقّ الاستعراض. ولكنّه مقدّمة ضروريّة لفكرة هامّة، فأناشدك الصبر للنهاية.
بدأتُ هذه المدوّنة بهدف بسيط جدًا وواضح: أن أكتب خاطرةً يوميّة، مهما كانت الظروف.
لا يهمُّ إن كانت طويلةً أو قصيرة. لا يهمُّ إن كنت في “مزاج” يسمح لي بالكتابة أم لا. لا يهمّ حتّى أن يعجبني ما كتبته اليوم. ولا أخفي عليكم، هناك الكثير من التدوينات لم أكن راضيًا عنها حين نشرتها. لكن كان الأهمّ هو الالتزام.
والتزمتُ بأقصى جهد ممكن، ولم أيأس حين نسيت مرّة، ولم أيأس حين نسيتُ الثانية، ولم أجلد ذاتي كثيرًا حين نسيت الثالثة. ركّزتُ على تحليل الأسباب التي ساعدتني على النسيان، ومحاولة تجنّبها.
جرّبتُ أن أكتب في نهار اليوم، وأثناء الليل، وقبل النوم، حتّى توصّلتُ إلى الطريقة الأنسب لأسلوب حياتي. جرّبتُ أن أحتفظ بملاحظاتي التي أودّ الكتابة عنها لاحقًا في أوراق، وفي ملاحظات الهاتف، وكتسجيلات صوتيّة، حتى وصلت إلى الطريقة الأنسب لي.
وها أنا أكتب الخاطرة رقم ٤١٦. ولا أشعر أنّي عانيت في كتابة ٥١ ألف كلمة! لأنّني التزمتُ بمقدار صغير، لكن كلّ يوم.
قبل أيّام قليلة، بدأتُ حملةً على فيسبوك سمّيتها #١٠٠_يوم_سعادة أنشر فيها خاطرةً يوميّة عن نعمةٍ منسيّة لأذكّر بها نفسي والناس. عسى أن تُسهم هذه الحملة في نشر السعادة والامتنان في مكان تطغى فيه الكآبة والشكوى.
وقد دعوتُ معارفي وأصدقائي للمشاركة في هذه الحملة، وقال لي أحدهم: لن أشارك. فسألته: لم؟ أجاب: لأنّي أعرف أني لن أستمرّ!
استوقفني هذا الجواب كثيرًا. لم أفكّر أبدًا، حين بدأتها، إذا كنتُ سأستمرّ أو لا. لم يخطر الأمر ببالي. أنا أعرف مسبقًا أنني سأستمرّ بمشيئة الله. ثمّ أدركت أنّني اكتسبت هذه الثقة لأنني أفي بوعدي لنفسي كلّ يوم، حين أكتب الخاطرة.
إنّني أفي بوعدي لنفسي منذ ٤١٩ يومًا، كلّ يوم. لقد نسيت بضعة مرّات، ولكنها لا تذكر مقارنةً بالمرات التي التزمت فيها. فأكسبني هذا ثقةً كبيرةً في نفسي بأنني، إن عزمت، سألتزم.
وهذه واحدة من ثمرات عديدة لعادة الكتابة اليومية. وليس السر في العادة نفسها أنها كتابة، ولكن في الالتزام بشيء ما، مهما كانت الظروف. ستكتسب ثقةً أنّك، إن وعدت، ستفي. وكلُّ واحد منّا مُحتاج إلى هذه الثقة. حتّى لا يرغب في بناء شيء ثمّ يقول: لا، لن أبدأ، لأني لن أستمرّ.