يبدو أنّني كنتُ ساذجًا حين تصوّرت أن سفري لمدينة بعيدة عن القاهرة سيبعدني تمامًا عمّن يتصفون بصفات أهل القاهرة. الانتهازيّة والجشع وقِلّة الأمانة وغياب النزاهة والصدق. ظننتُ أنّني ذاهب إلى عالَمٍ آخر، فريد، له شخصيّة واضحة لا يخطئها أحد. فكانت دهشتي عظيمة، وربّما الأحرى أن أقول كانت خيبة الأمل كبيرة، حين لم أجد سوَى امتدادًا لما تركتُ.
اختلفتْ أشكال الناس وألوانهم ولكنّهم كما هم. حتّى شعرت لوهلة أنّي أنا الملوم لا هم. أنا ثقيل الظّلّ الذي لا يستطيع الاستمتاع بالطبيعة الساحرة والحظّ السعيد الذي أتى به إلى هنا لأنّني أدقّق في مواعيد التحرّك ونظافة الحمّامات وشكل صناديق القمامة وتوفّر المناديل من عدمه! أنا الملوم لأنّني لم أستطع الاستمتاع بما أسمَوه “العرْض النوبيّ” لأنّني أسِفْتُ لرجالٍ تبدو عليهم الصحّة الجيّدة والنشاط والحيويّة يكتسبون عيشهم بالقفز أمام الناس والتصفيق، دون أيّ معنى أو رسالة لما يقدّمون!
أنا الثقيلُ لأنّني لم أستمتع حين طلب أحدهم متطوّعين من الجمهور واستهزأ بهم بطريقة مضحكة ولكنّها سخيفة في نفس الوقت. وكان، طبعًا، ينتقي الجميلات بين الحاضرين ويعطيهم تعليمات سخيفة عديدة من بينها أشياء تشبه الرقص وكلمات لا أحد يفهم معناها فيقولونها بطريقة مضحكة، فيصفّق الحاضرون في سرور، ويزيد شعوري بالثّقَل في مقعدي. ويبدو أنّ وجهي كان يبدو عليه هذا الشعور إذ لَم يطلُب منّي المؤدّون التطوّع كما طلبوا من بقيّة الحاضرين.
وانتابني شعور مخيف أنني أينما ذهبت في العالَم فلن أجد غير نفس الوجوه ونفس الإحساس بالثِقَل، وإن كنتُ ربّما مبالغًا في هذا التقدير. ولكنّني قد لا أكون مبالغًا إذا قلتُ أنّني، في مصر على الأقلّ، قد يئست من البحث عن وجوه مختلفة.