استأجرت اليوم عاملًا ليقوم بإصلاح خطّ التليفون في المنزل. وذكّرني سلوك هذا العامل بمرض من أمراض السّلوك المزمنة. وهو مرض الشّكوى الدائمة.
وليست هذه هي المرّة الأولى التي يأتيني فيها، تقريبًا في كلّ عامٍ مرّة. وأوّل تعاملي معه كان تقريبًا منذ ثلاث سنوات. وما زال هذا الرّجل كما عرفته أوّل مرّة. لم يتغيّر حاله، أو ربّما زاد سوءًا.
ولا أعرف عن حاله الكثير، ولكنّه على عادة المصريّين، كثير الكلام، ومن كثر كلامه زلّ لسانه بما يدور في خاطره وما يشغل فكره ولو لم يقصد. وعلى مدار السنوات الثلاث، لم يتغيّر كلامه أبدًا. ولم يحصل شيئًا جديدًا! نفس الشكاوى المعادة مرّة بعد مرّة. ونفس طريقة الاعتذار بأعذار لا أساس لها. واتّخاذ دور ضحيّة الحياة المظلومة منهاجًا وديدنًا.
أشفقت عليه، واتّخذت دور طبيب القلوب، وأخبرته -ولا أدري إن كان يسمع لي- أنّ المسؤوليّة عليه وحده، وأنّ المرض داخليّ وليس خارجيّ. وأرشدته إلى كتابة قائمة من عشر نِعَم يحمد الله عليها في كلّ يوم. وقلت له إن مارست تمرين الامتنان هذا، ستسعد سعادةً لا تحلم بها.
عندما أنهى عملَه، وأعطيته الأجرة -المتّفق عليها قبل بدء العمل- مع زيادة بسيطة، شكى لي قلّتها، وأنّ العمل كان أصعب مما توقّع (ولم يكن بالطّبع)، وأنّه مظلوم بهذه الأجرة! فقلتُ له: اذهب، واكتب النّعم العشرة كلّ يوم، ثمّ اتصل بي بعد شهر، لعلّ النّصيحة تكون أغلى من الزيادة الّتي تطلبها وأنفع.
طبعًا، لم يعجبه الكلام.