أعدتُ الاستماع إلى حوار مع الكاتب المصريّ خالد الخميسي كنتُ قد شاركتُ في إنتاجه قبل أكثر من عام، ولفتَ انتباهي قوله: “قد يكون الهدم أحيانًا أهم من البناء.” وضربَ مثالًا بهدم النّازيّة، وهدم الغباء.
ووجدتُ أنّنا كثيرًا ما ننشغل بفكرك البناء عن فكرة الهدم. نحاول اكتساب علم جديد، دون أن ننتبه لهدم العلم القديم الذي ثبت خطؤه، أو يمكن أن يثبت بقليل من التفكير. نحاول تغيير عقول الناس وبناء نماذجنا المعرفية فيهم، دون التفكير في هدم النموذج الموجود أوّلًا.
نحن لا نفكّر في الهدم لأنّنا نعتبره أمرًا سيّئًا، ونظنّ أنّ من شروطه إيجاد البديل. والمقولةُ الشهيرة تقول: هات البديل إن أردتَ تغيير وضع خاطئ. كلّا. ربّما لا ينبغي علينا الإتيان بالبديل. ربّما نحن نعرف فقط أنّ الوضع الحالي لا يمكن قبوله، ولا بدّ من هدمه، ولكننا لا نعرف ما هو البديل بالتحديد.
وقد أبدع الإمام أبو حامد الغزالي في استخدام هذا المبدأ في كتابه الشهير- تهافت الفلاسفة. وقد بيّن في الكتاب كيف تتهاوى أفكار الفلاسفة في المسائل التي اختار مناقشتها ولكنّه لم يبيّن ما هو التفكير الصحيح. فقط اهتمّ بالهدم. وكتب عن البناء وعن المنهج السليم في كتاب آخر تمامًا.
كذلك فإنّ الهدم يسمح بإيجاد فراغ لم يكن موجودًا والبناء قائمًا. وملء فراغ أسهل كثيرًا من استبدال شيء مكان آخر.