لا ينبغي أن يسأل أحدٌ العالِمَ عن دليله. الأصل أن يُتّبَعَ دون مساءلة ما دام السائل من الجاهلين بذلك المجال تمامًا.
مثلًا: لا ينبغي أن يناقش المريضُ طبيبَه عن دليله الذي استند إليه حين وصف له دواء معيّنًا. بل يوصيه الطبيب بتناول الدواء كذا في الوقت كذا لمدّة كذا من الأيّام، وهو يسمع ويطيع، إن أراد الأخذ بأسباب الشفاء.
في الولايات المتّحدة مثلًا، يمطرُ الأطبّاء مرضاهم بالمعلومات والكتيّبات التي تتكلّم عن حالتهم التي يعانون منها، ويقدّمون لهم كلّ الخيارات ويلقون على المريض بمسؤولية الاختيار. الأمر الذي يؤدّي بالمريض إلى حَيرة شديدة بسبب عدم فهمه لما يحدث له، وعدم معرفته بشكل قاطع ما هو الخيار الصحيح، أو الأصحّ.
والغالبية العظمى من الناس سيتّبعون كلامَ الطبيب إن أخبرهم بتوصيته لهم، حتّى لو لم يخبرهم الكثير عن المرض أو سبب اختياره لهذا الحلّ دون آخر. وهو أمر منطقيّ يُفهم بالبداهة.
وما ينطبق على المجال الطبّي ينطبق على غيره من العلوم والمعارف. فمثلًا لا يشترط أن يفسّر لك مهندس السيّارات كلّ ما سيقوم به بالتفصيل لإصلاح المحرّك المعطّل في سيارتك. فقط سيخبرك أن المحرّك به عطل بسبب كذا، ومن الأفضل استبدال الجزء التالف بآخر جديد من صنع البلد كذا لأنّ عمرَه الافتراضيّ أطول. ستكتفي بهذه المعلومات وتشتري الجزء الجديد دون أن تسأل لماذا بالتحديد يكون عمر هذا الجزء أطول من الآخر الصينيّ أو ما الذي أتلف الجزء القديم.
أمّا لو كان المتحدّث معه مهندس مثله، أو طبيب في المثال الأوّل، لسأل عن كلّ التفاصيل، وفهم ما يقال له دون عناء، لأنّه متخصّص. ولا يجوز أن يُقال: لا بدّ للطب وللهندسة أن تكون منطقيّة بالنسبة إليّ، وأنّها ليست حكرًا على الدّارسين في كلّيّة الطب والهندسة. فإن أردتَ مجاراتهم فادرس أوّلًا أساسيّات العلم وفروعه، ثمّ ابتكر واجتهد وقدّم جديدك للعالَم.
وكذا في العلوم الأدبيّة، مثل الشِعر والقصّة والنقد الأدبيّ. وكذا أيضًا في العلوم الدينية، من تفسير وحديث وعلم الرجال وغيرها.
وشيوع المعلومات وسهولة الوصول إليها في عصر الإنترنت قد خيّلَت للنّاس أنّ الكلَّ طبيبٌ ومهندس وناقد وعالِم دين، لأن ليس بينهم وبين المعلومة سوى ضغطة زرّ. ولكن، ما كان أحد ليتعلّم الطبّ في عشر دقائق على الإنترنت، ولا أيّ شيء آخر. فتأمّل.