يحيّرني كيف أنّ الشركات الكبيرة تنمو بهذه السرعة، وهذا الاستقرار، على الرّغم من امتلائها بالمشاكل الداخليّة التي ستسمع كثيرًا منها إذا جلست ربع ساعة في غرفة الطعام.
مشاكل في أجور بعض الموظّفين ومشاكل في التواصل بين المديرين ومرؤوسيهم ورؤسائهم، ومشاكل في الإجازات، ومشاكل في طريقة اختيار الكوادر… إلخ.
أنت ترى كل هذه المشكلات حين تنظر عن قرب، ولكنّك حين تنظر من بعيد، من الأعلى، تجد أنّ أعمال الشركة تتوسّع، ومبيعاتها تزيد، وعدد موظفيها وفروعها في تزايد مستمرّ. كيف ذلك؟
لأنّ هناك عوامل أخرى في الاتجاه المعاكس. وعندما تضيف هذه العوامل إلى العوامل السلبية، تكون المُحصّلة موجبة. المحصّلةُ، على الرغم من السلبيات الكثيرة جدًا، أنّ الشركة تنمو، وتحقّق أهدافها.
لو ركّزنا فقط على الجوانب السلبيّة، ونظرنا من زاوية الموظّف الصغير -الذي لا يسمح له منصبه برؤية النظرة الفوقية، ربّما حكمنا على الشركة بالفشل. ولكن الواقع غير ذلك لو نظرنا من زاوية الإدارة العليا؛ الشركة تنمو وتربح وتحقق أهدافها ولكنّها تواجه تحدّيات علينا التعامل معها مع الوقت.
ينظر الموظف الصغير إلى كلّ مشكلة على أنّها حريق يتطلّب إطفاءً عاجلًا. ويستاء ويشتكي وربّما يستقيل لو لم تُحلّ مشكلته بسرعة.
تنظر الإدارة العليا لصورةٍ أكبر. تُشكّل فيها هذه المشكلة قطعة صغيرة، يرونها بحجمها الحقيقيّ، ويتعاملون معها بهدوء وتؤدة وخطّة طويلة الأمد لحلّها من جذورها.
والسؤال الآن هو: كيف تنظر لنفسك؟ هل تنظر لنفسك من زاوية الموظّف الصغير، أم من زاوية الإدارة العُليا؟ هل تنظر لعيوبك كحرائق عليك أن تطفئها بسرعة وإلا ستُهلكك؟ أم كتحدّيات يمكنك أن تتعامل معها بهدوء، وتسمح لنفسك بمعالجة أسبابها مع الوقت؟ هل تحكمُ على المحصّلة من بضع تصرّفات؟ أم تنظر لكلّ شيء من بعيد، وتحسب كلّ تصرّف بدقّة؟
اعرف محصّلة حياتك بدقّة. إن كنتَ تنمو، فاستمرّ فيما تقوم به، وحسّن، وأصلح حتّى تحقق مزيدًا من النمو، ولا تقسو على نفسك وتظلمها. وإن كنت تتقهقر فادرس تحدّياتك بعين مدير تنفيذيّ، وخطّط لحلّها، ولا تتعجّل الحلول، وسر بخطًى ثابتة -حتّى لو بطيئة- نحو أهدافك.