تعال نتوقّف قليلًا عند المسار التقليديّ لأيّ منّا كما يفرضه المجتمع حاليًا.
ندخل المدرسة 12 عامًا، وربّما 14 إذا دخلت مرحلة الروضة، ثمّ الكلّية لأربعة أعوام أخرى (على الأقل) ثمّ نتخرّج بعد كلّ هذا “بلا خبرة”، فنعمل في وظيفة أوّليّة براتب بسيط نسبيًا حتّى نجمع الخبرة اللازمة، ثمّ نرتقي حتّى نصل إلى المعاش. فنعتزل العمل ونقضي أيامنا نقرأ التاريخ والسياسة ونشاهد التلفاز.
ليست هذه الصورة دقيقة بالطبع، ولا تمثّل كلّ الناس، ولكنّها، ولا شكّ، تمثّل كثيرًا من الناس.
يحترمُ أكثرُ النّاس هذا الطريق ويبجّلونه. لا يجدون غضاضة في الانتظار كل هذه السنوات حتّى حصاد الثمار.
تعالَ ننظر إلى طريق بديل، لم يكن موجودًا قبل مئة عام، وهو الآن يتعرّض لضجّة قويّة ويحلم به أكثر الشباب. طريق الريادة. أن تبدأ عملًا يخصّك. تبدأ من الصفر بعيدًا عن مجال دراستك ومجال عمل أسرتك.
يُواجه أكثر الشباب برفض شديد ممّن حولهم لهذا المسار. وإذا أصرّ الشابّ و”ركب رأسه” وسار في الطريق الذي اختاره، يتصيّدُ مَن حوله أخطاءه. لا يدعون فرصةً للنّيل منه تمرّ دون انتهازها.
يقولون: ها قد مرَّ شهران ولم تجن ربحًا. ها قد مرّت سنة! وهكذا. أفلا تعقلون؟ بالنظر في سِيَر السابقين، لم يجن أحد ربحًا في سنة، وربّما لا تجلبه أنت ولو في ستّ سنوات.
لا بدّ أنّهم يضحكون الآن مستهزئين ولسان حالهم يقول: أتمزح! أتريدني أن أنتظر ستّ سنوات وتقول لي ريادة؟! فلا أملك إلا أن أقول: أفلم تنتظر ١٦ سنة في الطريق الأول؟ هل قال أحدٌ لطالب المدرسة الإعدادية: كيف لا تجن ربحًا وقد فاتت سنوات ستّة منذ دخولك المدرسة؟
الحياة ليست قصيرة كما هو شائع. الحياة طويلة جدًا. أفلا ترى أناسًا بنَوا أنفسهم من الصفر إلى المليارات؟ أفتُراهم فعلوا ذلك في سنة، أو خمس سنين؟
قد يتطلّبُ الأمرُ عُمرًا.
وما دمنا أحياءً، فلننفق أعمارنا فيما نؤمن بقيمته، غير آسفين. فالعمرُ سيمضي على أيّة حال.