لو حسبنا عدد السّاعات التي نقضيها يوميًا على هواتفنا وحسبنا عدد ساعات اجتماع الأسرة التي تعيش في بيت واحد لوجدنا الفرق عظيمًا جدًا بينهما. وهنا لا بدّ أن نتساءل لماذا؟
يحكي الدكتور مبروك عطيّة مرّة أنّه حين كان صغيرًا كان يغلق جهاز الراديو (أعظم تكنولوجيا كانوا يملكونها في ذلك الوقت) ليستمع إلى حكايا أبيه، ويعلّل ذلك بأنّ أباه كان يعلّمه أمورًا ما كان ليتعلّمها من الراديو. كان الحديث مع أبيه شيّقًا وممتعًا.
ما هي الحكايا التي تدور في بيتك؟ ما هي المواضيع المتداولة على طاولة الطعام؟ هل يحكي كلّ واحد إنجازاته اليوم وما تعلّمه وكيف اكتشف شيئًا جديدًا وموضوعًا أثار اهتمامه؟ هل تجلس الأسرة الواحدة تتناقش في أمور دينيّة وفلسفيّة واجتماعيّة وثقافيّة يخططّون معًا ويفكّرون معًا ويكوّنون وجهات نظرهم عن شتّى أمور الحياة؟
ماذا نحكي لأصحابنا على الهاتف؟ ماذا نشاهد من مسلسلات وأفلام؟ فيم نقضي كلّ ذلك الوقت؟ نستطيع جميعًا أن نتذكّر مرّةً كانت الجلسة فيها مع الأسرة أكثر تشويقًا من الفيلم الذي نتابعه، وأكثر متعةً. كيف كانت تلك الجلسة؟ لماذا لا نفعل مثل ونيس ويكون هناك موعد أسبوعيّ محدد لجلسة حوارية بين أفراد الأسرة؟ فليكن حديث الثلاثاء، أو نادي الجمعة، أي يوم.
دعونا نتواصل معًا. نتّصل ببعضنا البعض. نفهم أبناءنا وإخوتنا وآباءنا. دعونا نحتفل معًا بنجاحاتنا الصغيرة، التافهة. دعونا نفكّر معًا في قضايا كبيرة وجوديّة تشغل بالَ أحدنا. دعونا نكتفي ذاتيًا من الناحية العاطفية، فلا يضطر أحد إلى البحث خارج البيت عن الاحتفاء، أو الاحتواء، أو الودّ والثناء، أو النصح والتوجيه. دعونا نشعر أنّ لدينا من يحبّنا، مهما كانت عيوبُنا التي يعرفونها.
بيدنا أن نعود للأيّام الخالية، الأيام التي نتذكّرها بحنين ونقول: فين أيّام زمان؟ لكنّنا نستسهل أن يكون كلٌ منّا “في حاله”، وأن نكون نحن أيضًا “في حالنا”. لكنّه اختيار. وعلى الحيّ المسؤوليّة.