عادةً ما يميل الإنسان إلى أن يكون هو المتكلّم، هو البطل، هو صاحب الدور الرئيسيّ في الحوار. وإذا كان هذا هو حالُ طرفَي الحوار، فسيخرج الحوار بالشكل الذي نراه يوميًا في المواصلات، والشارع، وعلى صفحات الإنترنت.
هذا الشكل السّمج، الأبله، الذي لا فائدة منه لأيّ من المتكلمين، أو المستمعين.
ويغفل الواحد منّا، حين يستسلم لتلقائيّته، أن عليه -إذا أراد أن يقنع الطرف الآخر بأيّ شيء- أن يسمع أولًا، وينصت لما يقوله محاوره، ويحاول فقط أن يفهم جيدًا ما يقوله. وإذا انتهى الآخر من كلامه تمامًا، وأصبح مستعدًّا أن يسمع الردّ، حينها فقط يمكن أن نبدأ بالكلام.
حينها فقط، يكون بحثنا عن “الأرضية المشتركة” التي سننطلق منها إلو مرمانا يجدي نفعًا. حينها، يمكننا أن نستغل الأمر أكثر ونوجّه الأسئلة؛ بهدف استكشاف هذه الأرضية، وبهدف إثبات اهتمامنا (الحقيقي أصلًا) للطرف الآخر.
وبعد ذلك، ستكون فرصة الخروج المثمر من هذا النقاش أكبر بكثير.
ولكنّنا نعشق التكلّم. نعشق أن يسلّط الضوء علينا نحن. لم ندرك بعد أنّ من يتحدّث أخيرًا يتحدّث كثيرًا، ويعيره الناس انتباههم، لأنهم قد انتهوا من الكلام.