كَم من قرار اتّخذناه ظانّين أنّه محطّة على جانب الطريق، نركن إليها قليلًا ثمّ نستأنف المسير في نفس الاتّجاه، وهي في الحقيقة مفترقات على الطريق، إذا سلكناها سلكنا في وِجهة مختلفة تمامًا.
تذكّرني هذه المفترقات بالقَولة الشهيرة: أكون أو لا أكون. هي هكذا فعلًا فإيّاك أن تخطئها.
أقابلُ شحّاذًا تعلمُ أنّه امتهن سؤال النّاس أموالهم ولا يبرح مكانه ولو أعطيتُه مئة جنيه، أأعطيه؟ فإذا أعطيتُه فقد سلكتُ طريق الوَهم والكسل، وطلب الرّاحة بدلًا من المنفعة. أريدُ أن أحكي لنفسي قصّةَ كرَمٍ، ولكنّه كرم زائف. وإذا لَم أعطه فقد تحدّيتُ المظهر واخترقته إلى الباطن، واضطررت للبحث عن مَن يستحقّ العطاء، إذا أردتُ أن أحكي لنفسي قصّة كرَم.
أعودُ من عمَلي متعبًا بعد يوم طويل وشاقّ، لم أستنقذ منه لنفسي نصف ساعة متواصلة للغذاء أو الرّاحة. أأتنازل عن عاداتي اليوميّة، كالكتابة مثلًا؟ اليوم فقط. اليوم أنا متعب. لا بأس بالتنازل يومًا واحدًا. فإن فعلت، فقد سلكتُ طريق التنازل والبحث عن الأعذار. وإن اخترت الاستمرار، رغم التّعب، فقد سلكتُ طريق التحدّي والإصرار.
يطلبُ منّي عزيزٌ أن أساعدَ في شأن من شؤونه سيكلّفني بعض المشقّة. أألبّي النّداء، أم أعتذر؟ لديّ الكثير من الأعذار الحقيقيّة التي تؤهّلني للرّفض دون أن أبدوَ فظًّا غليظًا. ولكنّني، إن صدقتُ نفسي، أستطيع فعل ذلك دون كبير أثر على حياتي. فإن اعتذرتُ، فقد سلكت طريق الأنانية وإعلاء الذّات. وإن لبّيتُ فقد سلكت طريق الكرَم.
قد تبدو كأنّها لحظاتٌ عابرة، محطّات لا تؤثّر على الوِجهة التي نحن لها سالكون. ولكن يتضّح لنا، مع إمعان النّظر، أنّها مفترق على الطريق. وفي كلّ خُطوة تخطوها، تختار الحياةَ التي ستحياها. فانظر ماذا تختار.