لو انتبهنا لنسبة الشكوى في حواراتنا مع الناس ومع أنفسنا لوجدناها تزيد عن التسعين بالمئة في أغلب الأوقات. أي أنّنا لو تحدثنا مع أحد أصدقائنا لمدة ٢٠ دقيقة، قد يكون منها ١٨ دقيقة من الشكوى. ولو انتبهنا لنسبة النّعم التي أنعم الله بها علينا في مقابل ما نرغب فيه ولم نحصل عليه، لوجدناها تتخطّى الـ٩٩٪ إن كنّا منصفين.
نحن لا نشغل بالنا أنّ أعيننا ترى بشكل جيّد. دون تدخّل منّا ودون صيانة. ربّما نحتاج ارتداء نظارات طبّية، وهي نعمة أخرى من نعم الله علينا.
ولا نشغل بالنا أنّ آذاننا تعمل بشكل جيّد. وقد لا نفهم أصلًا كيفية عملها. وكيف تمرّ بعمليّات شديدة التعقيد بين صوان الأذن، والأذن الخارجية، والوسطى، والداخليّة، والعصب السّمعي … إلخ حتى نسمع الأصوات ونترجمها إلى كلمات أو موسيقى أو ضوضاء.
ولا نشغل بالنا أنّ أصابع أيدينا تعمل بشكل جيّد، وتتحرك مفاصلها دون تشحيم. نمرّر أصابعنا على شاشات الهواتف ولوحات المفاتيح ولا نُلقي لها بالًا.
ولا نشغل بالنا بتدريب لساننا على الكلام حتّى لا يتعب.
ناهيك عن ورشة خاصّة للتخلّص من السّموم، ومصنع إفراز الإنسولين، وغيرها ما لا يُحصى من العطايا ولم نتخطّ أجسامنا بعد!
ولكنّنا نشكو. لأنّ الطقس حارّ. أو لأنّ السيارة (التي هي نعمة عظيمة في ذاتها) غير مكيّفة. أو لأنّ الطّعام الذي قدمه لنا النادل في المطعم لم يكن بنفس جودة الزيارة السابقة. أو لأنّ أهل البيت كثيرو الكلام. أو قليلو الكلام. أو لأنّ سخّان الماء يتطلّب ١٥ دقيقة ليتمّ عمله بشكل يسمح لك بالاستحمام بالماء الساخن في برد الشتاء. أو لأنّ سعر الكهرباء غالي. أو لأنّ الرحلة الصيفية للساحل الشمالي أُلغيت هذا العام.
ألا نخجل من أنفسنا ونحن نشكو والله يسمع شكوانا؟
أفلا نشكر الله على نعمته؟
ألم نسمع قوله تعالى (وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم)؟ بلى. أفلا نعتبر؟ أم أننا لا نصدّق؟
صدّقنا يا رب.
فاللهمّ أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.