يغنّي إلفِس برسلي مخاطبًا محبوبتَه: “إن كنتُ غبيًا لأنّي أحبّك، فكلّ ما أريده هو أن أكون غبيًا .. إن كنتُ أحلُم، دعيني أحلُم، إن كانت الأمور على غير ما تبدو عليه، أرجوكِ ألّا تُخبريني..” أغنيةٌ جميلة الألحان، هادئة الموسيقى، ولكنّها ليست مجرّد أغنية!
هذه الكلمات هي شعار حياة الكثيرين منّا. إن كنتُ أحلُم وأوهم نفسي بما أقول وأعتقد، من فضلك لا تتدخّل، دعني أحلم. دعني أوهم نفسي أنّني ضحيّة نظام فاسد، وليكن هذا النظام هو نظام البيت الذي نشأتُ فيه أو نظام الشركة التي أعمل بها، أو نظام المدرسة التي أدرس فيها، أو نظام البلد الذي أعيش فيه. لا يهمّ. أنا ضحيّة.
أنا لي حقوقٌ لا أحصل عليها. ينبغي عليكم أن تعاملوني بشكل أفضل. ينبغي عليكم أن تحلّوا لي مشكلاتي التي اختلقتُها بنفسي وأزعم أنّها مشكلاتكم أنتم. وإن كنتُ أتوهّم، فأرجوكم، لا تتدخّلوا. لا تقولوا لي ذلك أو تشيروا إليه من بعيد. دعوني وأوهامي.
دعوني وأوهامي لأنّ أوهامي تسوّغ لي مشاعري الثقيلة. دعوني وأوهامي لأنّ أوهامي تمنحني مزيّة التشفّي بالشّكوى، وبالسباب، وبالصياح. دعوني وأوهامي لأنّي، لكي أفيق منها، عليّ أن أقرّ بعيوبي، وأن أسلّط عليها الضوء، وأن أراها جيّدًا في مرآة العقل الناضج. دعوني وأوهامي فبدون هذه الأوهام، سأكون حرًّا، ومسؤولًا، وما أثقل المسؤوليّة، وما أشقّ الحرّيّة على الأحرار.
دعوني سجينًا؛ فالسّجن أحبّ إليّ من هذه المواجهة المخيفة. لا يستطيع إلفِس برسلي مواجهة إمكانيّة الحياة بدون محبوبته، ولا يستطيع سجينُ الأوهام الحياة خارج هذا السجن. السجينُ، خارجَ الأسوار، طفلٌ لا يعرف شيئًا عن الدنيا. هو لا يعرف سوى دنياه، داخل السجن. لكي يخرج، عليه أن يعيد تعريف كلَّ شيء في حياته. عليه أن يعيد اكتشاف كلَّ ما كان يظنّ أنّه يعلمه. عليه أن يقتل منظوره الحالي، ويقتل جزءًا من نفسه الحالية، وما أثقلَ أن تقتل جزءًا من نفسك قد ألِفتَه!