هذا التساؤل الذي ينتابنا في لحظات ننظر فيها من حولنا، ونحاول قياس بعض المعايير العشوائية لنعرف إذا كان لكلّ ما عملنا من أجله أيّ قيمة.
كثيرًا ما تعود إلينا الأرقام ممزوجة بنكهة الخَيبة. وكثيرًا ما نستنتج من ذلك أن ليس لمجهوداتنا أي أثر.
ولكنّنا —على حافّة اليأس— نُرهف السّمع فيصل إلينا نداء ما، نسمعه هاتفًا من بعيد، هادئًا، عميقًا، ينادينا ألّا تقنطوا من رحمة الله. نداء غامض لا نعرف مصدرَه. نُنصتُ أكثر، فتتضح لنا ملامحه شيئًا فشيئًا.
يُشبه ذلك المعلّم الذي حالفنا الحظّ في الالتقاء به ونحن صغار، وما زلنا نذكر درسًا قيّمًا تعلّمناه منه. كان يخصّص بعضَ الوقت “خارج المنهج” من حين لآخر، ليعلّمنا درسًا حياتيًا هامًّا. مرّت السنوات، ونسينا كلّ شيء تعلّمناه منه “في المنهج”، وعلق في ذاكرتنا هذا الدّرس.
يُشبه ذلك البائع الذي شاء القدر أن يضعه في طريقنا ونحن في حَيرة من أمرنا، فنحّى حوافزه جانبًا، وأصدقَنا القَول، وأرشدَنا إلى ما فيه مصلحتنا نحن.
يُشبه ذلك الصّديق الذي حالت المسافات بيننا وبينه الآن، ولكنّه قبل زمَن ما أعارَنا انتباهه الكامل في لحظة ضعف منّا، وأنصت باهتمام، فزال عنّا بعضُ ما كنّا فيه، أو زال بعض أثره.
ذلك النّداء الذي يهتف بنا من الأعماق، يقول لنا: إذا نظر أولئك فيما حولهم محاولين قياس بعض المعايير العشوائية ليعرفوا إذا ما كان لعملهم أيّ قيمة، ستعود إليهم الأرقام ممزوجة بنكهة الخَيبة.
ولا تدري الأرقام أنّهم أحياءٌ بداخلنا. يهتفون في أعماق كلّ واحد منّا: أن اصبر، واحتسب. وأنّ العالَم —حتمًا— مكان أفضل، لأنّك هنا.