ينظر الطفل صاحب الأعوام الثلاثة إلى أبيه وهو يصلّي فيقف مُسرعًا إلى جانبه ناظرًا إليه؛ يتتبّع بعينيه الصغيرتين حركاتِ أبيه ويحاول تقليدَها بدقّة.
يقول بلغة لم تنضج بعد: الله أكبر قبل ركوعه وسجوده. ينظر إلى يمينه وهو جالس في التشهّد ليراقب إصبع أبيه ويقلّده بسبّابته الصغيرة، وربّما قلّد الطفلُ فحرّك سبابته اليُسرى.
يحاول الأب ألا يفقد تركيزه وألا يضحك وهو يُسرّ مع ربّه بدعوات لهذا الطفل بالإيمان والصلاح والإصلاح وأن يُقيم الله به الدين وينبته نباتًا حسنًا.
لماذا يقلّد هذا الطفل أباه بهذه الدقّة؟ وربّما لم يطلب منه الأب ذلك. ولكنّ الطفلَ حريصٌ على اتّباع حركات أبيه بمنتهى الدقة.
هذا لأنّ الطفل يحبّ أباه حبًّا شديدًا، ويعظمه تعظيمًا شديدًا. فيحاول تقليدَه. يتشبّه به. يمشي كمشيته ويتكلم بكلامه ويضحك مثله وينظر مثله.
حين أحبّ الإنسانُ وعظّمَ شخصًا، تشبّه به. وبذل في سبيل ذلك البذلَ الكثير.
إذا أردتَ أن تعرف من قدوتك، انظر من تحبّ وتعظّم؟ قد تحب شخصًا ولا تعظمه. لن تتبعه. وقد تعظّم شخصًا ولا تحبّه. لن تتّبعه.
الحبّ مع التعظيم شرطان متلازمان لحُسن الاتّباع.
يقول الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
فإذا وجدتَ أنّ في اتّباعك لرسول الله صلى الله عليه وسلم نقص، فانظر في حبّك له وتعظيمك له. وتأمّل.