تعوّدتُ حين أتقنتُ اللغة الإنجليزيّة قراءةَ الكتب الإنجليزية بلغتها الأصليّة حرصًا على تلقّي أسلوب الكاتب دون تحريف أو تبديل. كنتُ كثيرًا ما أقرأ الكتب المترجمة فألحَظُ فيها مواضع الترجمة الحرفية، أو التحريف، أو استخدام لفظ غير مناسب للتقيّد بالأسلوب الأجنبيّ للكتاب. وقلّما كنتُ أجد من الكتب الشائعة في التنمية الذّاتية (لأنّها أكثر قراءاتي) مَن عَمِل على إعادة كتابة الكتاب بالعربيّة وأسلوبها، بدلًا من نقل الأسلوب مع النّص والمعنى. فكانت أكثر الترجمات في هذا الباب ركيكة لا تُشبعُ مَن يحبّ قراءةَ “نصّ أصليّ”.
ثمّ تعرّضتُ حين كبرتُ قليلًا لأعمال مثل: الإسلام بين الشرق والغرب، الذي أبدع فيه المترجم محمّد يوسف عدس فلا تكاد تشعر أنّك تقرأ نصًّا مترجمًا. وإنّما هو نصّ عربيّ أصيل. وأقتبس هنا من مقدّمته ما قاله عن الترجمة:
“فالأمر في الترجمة المتميّزة أنها عملية إبداع شأنها في ذلك شأن التأليف سواء بسواء. والذين يظنّون أنّ الترجمة مجرّد صنعة ذات قواعد يتم تطبيقها وينتهي الأمر، ينزلون بالترجمة إلى مستوى الحرفة التي يكتسب بها العيش، ومن هذا الفهم القاصر خرجت كتب مترجمة كثيرة أفضل ما توصف به أنّها غثاء يملأ الأسواق.”
وقد أثبت بعمله العظيم ما قال، رحمه الله.
ومن هنا كانت انطلاقتي مع التّرجمة كفنٍّ يحتاج إلى الإبداع والحِرفيّة. فعكفتُ على ترجمة كتاب أحببته حتّى أنهيته قبل سنتين، وراسلتُ المؤلّف الأجنبيّ مباشرةً بعدما أتممت الترجمة طالبًا حقّ نشر الكتاب. فكانت المفاجأة أنّ الحقوق قد بيعت بالفعل. فتواصلتُ مع دار النّشر العربيّة التي اشترت حقّ النّشر وعرضتُ عليهم ما ترجمته فرفضوه لركاكته. ولا أظنّ إلّا أنّهم كانوا على صواب في اختيارهم.
ثمّ حاولتُ مجدّدًا مع كتاب آخر ثمّ حالت الظروف بيني وبين نشره.
ثمّ حاولت للمرّة الثالثة فأثمرتْ هذا الكتاب الذي بين أيديكم اليوم. وهو المحاولة الأولى التي تُنشر إلى النّاس، ولا يزالُ الطريقُ طويلًا حتّى نقترب من أعمال أساتذتنا الذين سبقونا. ولكنّها البداية المخلصة، التي نرجو من الله أن تنجو ممّا وصفه محمّد يوسف عدس “بالغثاء الذي يملأ الأسواق”.
مع ملاحظة أنّ المترجم كان له حظّ ترجمة النّص كاملًا عدا العُنوان. فلم يكن لنا يدٌ في اختياره. عسى أن نحظى بهذه الأفضلية فيما بعد.
والشُّكرُ موصولٌ لكلّ مَن اختار قضاء بعض وقته في قراءة هذا العمل القصير ونرحّب بالتّعليقات والتقييمات على الترجمة عسى أن نتعلّم منها ما ينفعنا ويدفعنا خطوات للأمام في هذا الطّريق الشّاقّ.
إذا أردنا بناء مشاريعَ وعلامات تجارية هادفة في عالمٍ به خيارات لا محدودة ومنتجات متشابهة، فينبغي لنا بدء رحلة الابتكار من قصّة العميل، والنّظرُ إلى عملائنا كمصدر إلهام، لا كفريسة.