حين أحتار فيمَ أكتب، أكتبُ عن الكتابة. وأظنُّه أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الكُتّاب للكتابة عن الكتابة.
للكتابةِ سِحرٌ ما، قوّةٌ خفيّةٌ تأخذُ بقلمِك وتسطّرُ الكلمات، وكأنّك في حالةٍ بينَ الأرضِ والسّماء.
يراقبُ الكاتبُ الكَونَ مِن خارجِه. حتّى حين يكتبُ عن نفسِه؛ كأنّه يشاهدُ فيلمًا هو مؤلّفُه ومُخرجُه، وأبطاله قلَّما يكونون من نَسج خيالِه، بل هم، في كثيرٍ من الأحيان، أبطال من لحمٍ ودم. خالطَهم الكاتبُ فترةً تطول وتقصُر.
للكاتب إرادةٌ قويّة. هي قويّة لأنّها تدرّبت يومًا بعد يوم على التركيز، والإنتاج. رغم الملل، والتعَب، والتغيّرات الحياتيّة المتعددة، ورغم المزاج السيّء، والخلافات، وفراغُ العّقلِ من مادّة الكتابة لحظيًا، رغم كلّ ذلك، يكتب.
للكتابةِ روحٌ حيّة. تنمو بالاهتمام، وتضمر وتذبلُ بالإهمال.
الكتابةُ أداةٌ مثاليّة لتسجيل الأفكار. يسهُلُ مراجعتُها وتتبُّعها، ليعيد الكاتبُ اكتشافَ نفسه من خلال كلماتِه.
الكتابة أداةٌ مثاليّة لتسجيل الأفكار. متى اطمأنَّت لصدقِ نِيّتك، تأتيك مهرولةً لو أتيتها ماشيًا، وراكضةً لو أتيتها مُهرولًا.
الكتابة غايةٌ في ذاتها. يكتبُ الكاتبُ لنفسه. لا يريدُ سوى أن يكتب. ثمّ قرأ النّاسُ له أو لم يقرأوا، فهذا أمرٌ ثانويّ.
يتخيّلُ كُلُّ كاتبٍ جُمهورَه وهو يكتب. ولكنّ الكاتب المحترف يكتبُ ليكتب، لا ليقرأوا له. قد يسكُنُ جمهور الكاتبِ في خياله فقط، دون وجود حقيقيّ على أرض الواقع.
لكلّ كاتبٍ جُمهور من القُرّاء، أوّلهم الكاتبُ نفسه. وأحيانًا يكونُ هو أوّلهم وآخرهم.
الكتابةُ عمَلٌ كَريم؛ يكشِفُ فيه الكاتبُ عن عقلِهِ للناس.
الكتابةُ عملٌ بسيط. يستطيعهُ كُلُّ إنسان.
الكتابةُ عملٌ بسيط من الكَرَم، وعظيم القيمة. يُكرِمُ فيه الكاتبُ المُحترفُ نفسَه، ويكرمُ النّاس.
إن كنتَ تستطيع القراءة، فأنت كاتبٌ لو اخترت الكتابة. وأنت مُحترفٌ لو اخترتَ الاحتراف. وأنت كاتبٌ مُحتَرِفٌ لو كتبتَ دون انقطاع.
فماذا تنتظر؟
جمهورُك ينتظر.