منذ ١٤٤١ عامًا، هاجر مُحمّدٌ، عبدُ الله ورسوله الخَاتَم، وصَحبُه الكرام من بلدةٍ كانوا فيها مضطهدين مُعذّبين، إلى بلدةٍ أُخرى تُكرمهم وتؤويهم وتعزّهم. هاجروا، ولم تكن الهجرةُ بالأمر السّهل. كان خروجُهم أشبَهُ بخروج الهاربين اليوم من سوريا والعراق واليَمَن، وغيرها من البلدان التي دمّرتها الحربُ الداخلية تمامًا، اللاجئين في بلاد غريبة عنهم، باحثين فقط عن البقاء.
هاجروا وتركوا خلفَهم أموالَهم وبيوتَهم ووطنَهم الذي لا يعرفون سواه، ولجأوا إلى مكان ليس لهم فيه أهل ولا أصحاب. هجروا كلّ عاداتِهم وكثيرًا من عائلاتهم ليبدأوا صفحةً جديدةً، ويبنوا حضارةً تستمرّ بعدهم حتّى آخر الزّمان.
ما كانت الدعوةُ المحمّديّة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، وما كان مليار ومئات الملايين من الناس ليؤمنوا بها لو لم يهجر محمّد بيتَه ووطنه الذي ألفه طوال سنوات عمره، وأهله الذين يحبّهم ويحبّونه، بل ونفسَه التي عرفها طوال الخمسين عامًا وزيادة التي عاشَها قبل هذا اليوم.
هذا اليوم ذكرى خالدة أراد الله أن يعلّمنا فيه معنى الهجرة، والعبور إلى الجانب الآخر من الخوف. أراد أن يؤكّد لنا قانونًا من قوانين الحياة: وهو أنّ ما أوصلك إلى هنا، لن يوصلك إلى هناك. أنّ عليك تحمّل التخلّي عمّا ألِفت من أجل الحصول على ما تريد. وهذا هو الدرس الأهمّ من هذه الرّحلة المباركة.
اهجر مكانَك إن كان يعيقك عن الوصول. اهجر مكانَك إن كان يمنعك من تحقيق الهدف. اهجر البيئة التي تحطّمك وتعذّبك وتجرّك إلى الجاهليّة. أرضُ الله واسعة. فابحث عن البيئة التي تناسب ما تطمح إليه.
اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنّك حميد مجيد.