بعد هزيمة مريرة في مباراة، يهتف الجمهور: لا بد من إقالة المدير الفنّي. وربّما -كما نشر في صفحة لمشجّعي النادي الأهلي االيوم، إقالة رئيس النادي!- ويحمّلوه وحده المسؤولية التي تتدخل فيها عوامل عديدة. لا أدّعي أنني متابع جيّد لكرة القدم، ولا حتى متابع غير جيّد. ولكن، للمساحة التي تحتلّها الكُرة عند الناس، لا بدّ لكل من يتابع أو لا يتابع أن يعرف نتائج المباريات.
وبنفس الطريقة، نتعامل مع كل شيء. بتسرّع وجَهل، نحكمُ على “عنوان” الموضوع، وليس على ملابساته وتركيباته الداخليّة. عندما تنهار عمارة مثلًا، نطالب بإقالة رئيس مجلس إدارة الشركة المنفّذة. عندما تنكسر ماسورة صرف صحي -كالعادة- نطالب بإقالة المحافظ. وعندما تزيد الأسعار، نطالب برحيل رئيس الجمهوريّة!
لا أقف هنا في أيّ صف. فكما قلتُ من قبل، والحمدلله على نعمة الاعتراف بالجهل عند الجهل، أنّي متابع بليد. قد أتابع بعض الأخبار في مجالات محددة، قصدًا أو عن غير قصد، ولكنني، لإدراكي لهذا الأمر، ووعيي بتقصيري في معرفة الحقائق المركّبة داخل كلّ مجال من هذه المجالات، أتجنّب إصدار الأحكام. وأعطي أولويّة لحسن الظنّ فيما لا أعرف دليلًا على سوء النيّة فيه.
غير أننا نتناسى أنّ أكبر مدرّبي العالم -عودة لمثال كرة القدم- يخسرون العديد من المباريات، والبطولات. وأكبر أندية العالم تفشل كثيرًا في تحقيق ما تريد. وإلّا لفقدت اللعبة إثارتها، إذا كنّا نعرف من البداية من الفائز!
لا أظنّ أنّ ثقافة إقالة المدير الفنّي ستفيد أي جهة من الجهات. ولا أظنّ أنّ لأحد، كان من كان، أن يتّخذ هذا القرار وهو مرتاح على أريكته الوثيرة، أو حتّى حصيرته الخشنة. لا بدّ لمن يجرؤ على الكلام بمثل هذا أن يكون له أساس متين من الدلائل والحقائق والمعلومات والاستنتاجات الذكيّة التي أدّت به لهذا القرار. وليس فقط نوعًا من العاطفة الثائرة المؤقّتة التي لا تنفع.
وحدّث ولا حرج عن انعدام خطة مسار استئناف العمل بعد إقالة المدير الفنّي. وحدّث ولا حرج عن طريقة اختيار المدير الفنّي الجديد التي تعتمد فقط على نتائج الموسم الأخير، بغض النظر عن الفريق وإمكانياته وتاريخ هذا المدير. وحدّث ولا حرج عن الخروج عن حدود الأدب واللياقة في الكلام عن المدير الفنّي السابق والذي لا يوجد له مسوّغ في أي دين، أو أي ميثاق أخلاقي مجتمعي. وحدّث ولا حرج أنّ كثيرًا ممّن يقومون بهذه التصرفات يقومون بها باسم الدّين، أو باسم الأخلاق، أو باسم حقوق الإنسان.